أخبار وتقارير

الدكتور سعيد الشيباني.. حكاية ليلة نامت فيها ضفاف النيل بأحضان النجم السامر فوق (المَصَلّة )

المستقلة خاص ليمنات
“من العدين يالله بريح جلاب.. والا سحاب تندي علوم الاحباب”.. من سندس البساط الأخضر مرفأ الحب وجنة الله (العدين) ينطلق مسار الرحلة الأثيرية برفقة شاعرنا الدكتور سعيد محمد الشيباني الذي استلهم حزن الراعيات وشجن مواويلهن المنداحة من صدور الربا ورؤوس الجبال وعطر وحي إلهامه بفوح المشاقر ليروي من أهازيج الأبتال دوادح الغرام في أعماقنا ويحيي بمهايد الحرث وهجلات الصراب خريف المواسم في قلب علان منذ أن كان طفلاً يرعي الغنم في شعاب ووديان و(هياج) قريته (عرش) في بني شيبة بالحجرية تعز.. معاً ومع طائر المحبة نجنح بريش الشوق والحنين لنطوي صفحات سفر الأمس الجريح ونرسم على شفق الأفق البعيد أحلام العشاق التي سامر أطيافها شاعرنا في القاهرة قبيل خمسة عقود من عمر الأيام وبالتحديد في ليلة وجد يمم وجه سهده فيها شطر نجم الليل السامر فوق (المصلَّة) ليبث له شكواه ويخط بدموع الغربة على صفحات الخدود خطاب اللحظة وحصاد السنين (كل من معه محبوب وانا لي الله)..
صفوان القباطي – [email protected]
جلية تبدو نزعة الغربة على الطابع العام لقصائد شاعرنا سعيد الشيباني الذي عاش مآسي الغربة واقعاً وكان إحساسه بها صادقاً وعميقاً وهو ما نستشفه في أغاني هذا الجانب التي صاغ قوافيها بالآحات والدموع كهذه التي ينطلق فيها من العدين متمثلاً معاناة المرأة الريفية في غياب زوجها ومرسلاً الشكوى الأليمة على لسانها بطريقة الملالاة الشعبية:
من العدين يالله بريح جلاب.. والا سحاب تندي علوم الاحباب
الناس رقود وانا الفراش يجول بي.. قلبي احترق لمو العذاب يا ربي
ولا لقيت اهلي ولا مُحِبِّي.. ريح الضياع بالله عليك تهبِّي
وكحال غيرها الكثيرات من بنات الريف المتلوعات بجحيم الفرقة في غربة أزواجهن ممن مضى ببعضهن قطار العمر وفات البعض الآخر ربيع الشباب على درب الانتظار معلوم أن نجد من تخاطب (الطَّبَلْ) المراسل المسافر باتجاه ديار الغربة بالقول:
يا ذا الطبل شاجي معك لا جدَّة.. تحت الكَوَر والا ورا المخدَّة
بهذا الشكل يواصل الشيباني تدوين مضمون الخطاب لإرساله بالنيابة عمَّن أصابتها لعنة الفراق:
بالله عليك يا ذا الطَّبَل تَقُل لُه.. إن ضاق به داره قلبي محلُّه
على الطريق أمانتك تدلُّه..يرجع يسقِّي البُن ويجني فلُّه
من ذا يقول يا رب موجرى له..داره خراب والحقل جف مسالُه
أمانتك إذا جزعت قبالُه..تخبِّره عن حوله عن نبالُه
ويطول أمد الشكوى بامتداد المعاناة التي تضج بأنينها الباكي شرفات الدور وتنوح بلحونها الدامعة حمايم الأركان.. وتبقى ضحية الغربة (فتاة الريف) أسيرة أشواقها ورهينة الشكوى تحسب الأيام في انتظار مواعيد الوصال التي لا تأتي وتصف للغادي والرائح ملامح حبيب القلب الهاجر علَّها تجد في قبضة الأسى من يرجع لها بأخباره..
حبيب قلبي مليح.. بين الشهور نيسان
مشدَّته من حرير.. ومَشْقُره ريحان
سَافَر وطال الغياب.. من قلَّة الأسباب
دمعه بخده جراح.. تدمي على الأحباب
الله بقلبي عليم.. لشكوتي يسمع
ساهر أعد النجوم.. لحين ما يرجع
كم لي أقاسي الألم.. لكل شيء صابر
قل للجيب يا حمام.. قلبي قده ضامر
الطير فوق الغصون.. يبكي على حبي
وانا لوحدي حزين.. ارحمني يا ربي
صور شتى من المعاناة جسدها الدكتور الشيباني في سياق سرده لأوجاع وأنين الريفيات.. ترد في إطار هذا المضمون وقفته للترافع عن شابة تأخر عنها النصيب في الارتباط بابن الحلال نتيجة طمع والدها وتعنته في رفض كل من تقدموا لطلب يدها حيث شرعت تخاطب شقيقها الأصغر شاكية له حالها بالقول:
يا اخي الصغير أنت العديل على ابي..لك باشتكي همِّي وشوق شبابي
قلُّه يزوجني موعاد يشابي..كعوب صدري خزَّقوا ثيابي
والعين تتنقَّل من شاب لاشاب.. شا صارحك يا اخي بما بقلبي
واستحلفك يا اخي بنور دربي.. تقل لابي ما غلطتي وذنبي
يحرق غصون شوقي وزهر حُبِّي.. يرد خُطَّابي من قُدَّام الباب
ولأن العناء تجاوز النصاب المحتمل بكلام بنات القرية ممن صرن يعايرنها بتقدم سنها وتحولها إلى عانسة لا أحد يريدها بعد أن كانت وردة تقطر بالندى والكل يتسابقون للفوز بعبقها..
انظروا كيف دفعتها حقيقة فوات الأوان وخشيتها من انقطاع الأمل للأبد إلى إظهار مخاوفها وعذابات صبرها لأخيها الصغير مهددة بالهروب من القرية في خاتمة المطاف:
أخي الصغير يا نور في عيوني.. كل البنات في الحي يعايروني
إن الشباب ذي كانوا يعشقوني.. قد قنعوا مني وسيَّبوني
وابي السبب لمَّا يصد الاحباب.. قُلُّه بسمع اذنه بنور عيونه
ما ابغاش اني الخيبة ولا حصونه.. أبغي المليح والموت حلال دونه
أريد ذي يصونني واصونه.. قُلُّه يرد عقله على جنونه
من قبل ما يقمر على ظنونه.. واهجر أنا داره واقفِّل الباب
في مدرج النقيل على مقربة من مورد الماء.. بعد فترة غياب يصادف العاشق المغرم محبوبته القروية (حاملة الجرة).. تسبي فؤاده بلفتة واحدة ويشق جمالها الطبيعي مجرى السحر في شرايينه.. يبادلها الهمسات الخجلى والنظرات المستحية.. ويستوقفها ليتجاذب معها أطراف الحديث ويستعيد ذكرى ما فات في علاقة الحب التي جمعت قلبيهما على درب الحنان..
حامل الجرَّة بلفته شلَّني.. مثلما المجنون تايه خلَّني
قلت له ظمآن راح لم يسقني.. قلت له محتار عالدرب دلَّني
قال لي يا صاح طريقك في خطر.. فكِّري قلبي لحبَك كم صبر
ما لقلبي اليوم من حبك مفر.. قلتي لي قلبي بذكرك ما خطر
قلتي با حبك ولو قلبك حجر.. كيف لي أنساك وبسماتك مطر
ولكن بعد أربع سنوات من الانقطاع منذ تركها وسافر إلى عدن هناك أمور كثيرة تغيرت.. فالصبية التي وقعت في قلبه بالأمس اليوم قد أضحت مخطوبة لغيره.. وللأسف هذا ما صار وهو غائب دون علمه وها هي تصارحه بالحقيقة أخيراً إنما (ما باليد حيلة)..
قلتي لي مرَّة إذا سافرت عدن.. ما بترسل لي؟ قلت لك مَصَرْ
قلتي لي كذَّاب ذا كله خبر.. سوف تنساني إذا شفت الحسان
وبنات صيرة على قلبك خطر.. قلت لك جيتك قلتي سِبْتني
من سنين اربع واليوم جئتني.. قلتي شوف غيري وسيبني أني
صرت مخطوبة وغيرك شلَّني.. قلت انا مجنون بحبك حبني
قلتي لي والناس؟ قلت الناس بشر

زر الذهاب إلى الأعلى